الموساد وتنظيم الدولة- تركيا تحبط مخططات إسرائيلية وعمليات إرهابية.

منذ اندلاع الحرب في غزة، اهتز الرأي العام العالمي في شهر ديسمبر/كانون الأول بإعلانات مفاجئة؛ إذ كشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية عن خطط إسرائيلية طموحة لتنفيذ عمليات اغتيال تستهدف قادة حركة حماس المقيمين خارج الأراضي الفلسطينية.
وزاد الأمر وضوحًا عندما أدلى رونين بار، رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "الشاباك"، بتصريحات قوية خلال بث تلفزيوني على القناة الرسمية الإسرائيلية "كان"، مؤكدًا عزم إسرائيل الراسخ على تصفية قادة حماس في شتى أنحاء العالم، بما في ذلك قطر وتركيا ولبنان، مهما استغرق ذلك من سنوات.
رد حاسم من تركيا على تهديدات الموساد
في أعقاب هذه التصريحات المدوية، اغتيل القيادي البارز في حماس، صالح العاروري، في العاصمة اللبنانية بيروت، الأمر الذي أثار غضبًا عارمًا لدى جهاز الاستخبارات التركي (MİT). عبرت المخابرات التركية عن استيائها الشديد للاستخبارات الإسرائيلية، محذرة من "عواقب وخيمة" في حال تنفيذ أي أعمال مماثلة على الأراضي التركية. وبدوره، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في خطاب علني أن "من يجرؤ على ارتكاب مثل هذا الخطأ، فسيدفع ثمنًا باهظًا للغاية".
عمليات استباقية: اعتقال جواسيس إسرائيليين وخلايا لتنظيم الدولة في تركيا
عقب التصريحات الإسرائيلية في ديسمبر/كانون الأول، كثّف جهاز الاستخبارات التركي (MİT) جهوده في مراقبة الخلايا التي كانت قيد المتابعة الميدانية. تمكن الجهاز من رصد خليتين تابعتين لتنظيم الدولة، وكشف تحركاتهما واستعدادهما لتنفيذ عمليات إرهابية في نهاية ديسمبر/كانون الأول. وأُعلن عن اعتقال عبد الله الجندي، المسؤول عن "لواء الصدق" التابع لتنظيم الدولة، في عمليات أمنية في مدينة حلب السورية.
وكشفت التحقيقات أن الجندي كان يخطط لمهاجمة قواعد عسكرية تركية، كما تم اعتقال 32 شخصًا آخرين من أعضاء تنظيم الدولة في تركيا. وأظهرت التحقيقات أن هؤلاء الأفراد كانوا ينوون شن هجمات على دور العبادة اليهودية والكنائس، بالإضافة إلى استهداف السفارة العراقية في تركيا. لولا التدخل الاستباقي، لكانت تركيا قد شهدت تفجيرات مروعة في بداية العام، مشابهة لتلك التي وقعت في كرمان الإيرانية وبغداد العراقية.
في سياق متصل، رصد جهاز الاستخبارات التركي (MİT) تحركات خلايا نائمة تعمل لصالح جهاز الموساد الإسرائيلي في 8 مدن تركية، ونفذ عمليات متزامنة ضدها. أسفرت هذه العمليات عن اعتقال 34 شخصًا يحملون جنسيات مختلفة. وبعد إحالتهم إلى المحكمة، تم اعتقال 15 شخصًا منهم، وترحيل 8 آخرين، بينما أُفرج عن 11 شخصًا بشروط.
معلومات ذات دلالة عميقة
لقد تابعتُ هذه التطورات الدقيقة عن كثب، وأجريتُ محادثات معمقة مع العديد من المسؤولين الأمنيين. إذا كانت الخلايا النائمة التابعة لإسرائيل تتحرك في تركيا، فمن المرجح أن الخلايا المماثلة في دول أخرى قد بدأت في النشاط أيضًا. ومن المتوقع أن نشهد عمليات اغتيال مماثلة في دول أخرى، على غرار اغتيال العاروري في لبنان.
عندما تعمقتُ في البحث عن خلفيات الأشخاص الذين تم القبض عليهم بتهمة التجسس لصالح إسرائيل، ظهرت معلومات ذات دلالة كبيرة. فقد كانت المخابرات التركية تركز جهودها على دراسة أساليب عمل الموساد لفترة طويلة، وتمكنت من تفكيك العديد من شبكاته. ونتيجة لذلك، أصبح من الصعب على الموساد تنفيذ أي عمليات مؤثرة في تركيا.
تجدر الإشارة إلى أن غالبية الأشخاص الذين تم اعتقالهم كانوا من جنسيات أجنبية. وكانت إسرائيل تتواصل مع هؤلاء الأفراد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومواقع التوظيف، والإنترنت. وغالبًا ما كان يتم استضافة هؤلاء العملاء في فنادق فخمة ومطاعم راقية في الخارج، قبل أن يتم تهريبهم إلى تركيا عبر الحدود مع سوريا والعراق بطرق سرية.
تم اختيار هذه الطريقة للالتفاف على التدابير الأمنية التركية. كما تبين أن هؤلاء الأفراد كانوا يقومون بجمع معلومات استخباراتية ميدانية، والحصول على بيانات، وتنفيذ عمليات مراقبة وجمع صور، وهو ما يعتبر مرحلة تمهيدية لتنفيذ عمليات أكثر خطورة.
أثار ظهور أشخاص يرتدون عمائم ويطلقون لحى ويبدون كمتدينين بين المعتقلين حالة من الاستغراب والدهشة في تركيا. وكشفت التحقيقات أن بعضهم لم يكن على علم بأنه يعمل لصالح إسرائيل، إلا أن الدافع المشترك للجميع كان المال.
استغلال الأوضاع الدولية وتقويض الدعم للقضية الفلسطينية
تشعر إسرائيل بقلق متزايد إزاء الدعم العالمي المتنامي للقضية الفلسطينية، وقد تحاول تقويض هذا الدعم من خلال تنشيط خلاياها النائمة في دول مثل تركيا، بهدف إثارة الفتن والقيام بأعمال استفزازية. ومن اللافت للنظر أيضًا الظهور المفاجئ لتنظيم الدولة، بعد فترة من الخمول، وتنفيذه هجمات بالقنابل في إيران والعراق، وتخطيطه لعمليات في تركيا. يجب ألا ننسى أن هذا التنظيم هو الأكثر عرضة للاختراق من قبل أجهزة استخبارات أجنبية.
تذكروا كيف ساهم تنظيم الدولة في تشويه صورة المسلمين، وكيف أدى وجوده إلى إنشاء قواعد عسكرية أجنبية في العراق وسوريا. وإذا أخذنا في الاعتبار المظاهرات الحاشدة التي تشهدها أوروبا تضامنًا مع فلسطين، فلا يمكن لأحد أن يضمن عدم قيام منظمات وكيلة مثل داعش أو حزب العمال الكردستاني (PKK) بتنفيذ عمليات إرهابية في المدن الأوروبية. من الحكمة أن يظل الجميع في حالة تأهب ويقظة.
